من اثار المعاصي
طول العمر و قصره
ان المعاصي تقصر العمر و تمحق بركته وللابد ' فان البر كما يزيد في العمر فالفجور ينقصه ' وسر المسالة " ان عمر الانسان مدة حياته ' و لا حياة له الا باقباله على ربه ' والتنعم بحبه و ذكره' و ايثار مرضاته
توالد المعاصي
ومنها " ان المعاصي تزرع امثالها ' و يولد بعضها بعضا ' حتى يعز على العبد مفارقتها و الخروج منها ' كما قال بعض السلف "ان من عقوبة السيئة السيئة بعدها ' وان من ثواب الحسنة الحسنة بعدها
المعصية تضعف ارادة الخير
ومنها "(وهو من اخوفها على العبد) انها تضعف القلب عن ارادته فتقوى فيه ارادة المعصية ' و تضعف ارادة التوبة شيئا فشيئا ' الى ان تنسلخ من قلبه ارادة التوبة بالكلية ' فلو مات نصفه لما تاب الى الله ' فياتي بالاستغفار و توبة الكاذبين باللسان لشئ كثير 'و قلبه معقود با لمعصية مصر عليها' عازم على مواقعتها متى امكنه 'وهذا من اعظم الامراض و اقربها الى الهلاك
هوان المعصية على المصرين
ومنها " ان العبد لا يزال يرتكب الذنوب حتى تهون عليه وتصغر في قلبه 'وذلك علامة الهلاك 'فان الذنب كلما صغر في عين العبد عظم عند الله' وقد ذكر البخاري في صحيحه عن ابن مسعود قال " ان المؤمن يرى ذنوبه كانها في اصل جبل يخاف ان يقع عليه ' وان الفاجر يرى ذنوبه كذباب وقع على انفه فقال به هكذا فطار"
شؤم الذنوب
ومنها " ان غيره من الناس و الدواب يعود عليه شؤم ذنبه ' فيحترق هو و غيره بشؤم الذنوب و الظلم 'قال ابو هريرة " ان الحبارى لتموت في وكرها من ظلم الظالم ' وقال مجاهد "ان البهائم تلعن عصاة بني ادم اذا اشتدت السنة و امسك المطر ' و تقول " هذا بشؤم معصية ابن ادم
و قال عكرمة "دواب الارض و هوامها حتى الخنافس و العقارب يقولون "منعنا القطر بذنوب بني ادم ' فلا يكفيه عقاب ذنبه حتى يبوء بلعنة من لا ذنب له
المعصية تورث الذل
ومنها ان المعصية تورث الذل ولا بد' فان العز كل العز في طاعة الله تعالى "من كان يريد العزة فلله العزة جميعا" س فاطر' اي فليطلبها بطاعة الله فانه لا يجدها الا في طاعة الله ' وكان من دعاء بعض السلف "اللهم اعزني بطاعتك ولا تذلني بمعصيتك"
وقال عبد الله بن المبارك "
رايت الذنوب تميت القلوب وقد يورث الذل ادمانها وترك الذنوب حياة القلوب وخير لنفسك عصيانها
المعاصي تذهب الحياء
ومن عقوباتها "ذهاب الحياء الذي هو مادة الحياة للقلب' وهو اصل كل خير ' و ذهابه ذهاب كل خير باجمعه' وفي الصحيحين عنه (صلى الله عليه و سلم) انه قال "الحياء خير كله" وقال "ان مما ادرك الناس من كلام النبوة الاولى 'اذا لم تستح فاصنع ما شئت '''
والمقصود ان الذنوب تضعف الحياء من العبد حتى ربما تنسلخ منه بالكلية 'حتى ربما انه لا يتاثر بعلم الناس بسوء حاله و لا باطلاعهم عليه'بل كثير منهم يخبر هو عن حاله وقبح ما يفعله 'والحامل له على ذلك انسلاخه من الحياء' و اذا وصل العبد الى هذه الحالة لم يبق في صلاحه مطمع
الذنوب تحدث الفساد في الارض
ومنها انها تحدث في الارض انواعا من الفساد في المياه و الهواء و الزرع و الثمار و المساكن 'قال تعالى "ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون" سورة الروم
وكذلك تحدث الزلازل و التي وقعت على مر العصور و تقع الان ايضا تخويفا من الله لعباده و عقابا لهم على بعض ما عملوا' نعم لقد كثرت في هذه الايام الزلازل انذارا للعباد علهم يرجعون الى ربهم '
وكذلك تحدث الرياح الشديدة و الاعاصير المدمرة والفياضانات التي تجتاح الثمار و تكسر الزروع بل ربما المساكن و الدور و غيرها كالسيارات '''الخ
كل هذا بسبب عصيان الانسان في الغالب قال تعالى "ما اصابكم من مصيبة فبما كسبت ايديكم "
الذنوب تطفىء الغيرة
والمقصود انه كلما اشتدت ملابسة المرء للذنوب اخرجت من قلبه الغيرة على نفسه و اهله و عموم الناس 'و قد تضعف في القلب جدا حتى لا يستقبح بعد ذلك القبيح لا من نفسه و لا من غيره ' و اذا وصل الى هذا الحد فقد دخل في باب الهلاك ' و كثير من هؤلاء لا يقتصر على عدم الاستقباح ' بل يحسن الفواحش و الظلم لغيره و يزينه له ' و يدعو اليه و يحثه عليه ' و يسعى له في تحصيله ' و لهذا كان الديوث اخبث خلق الله 'و الجنة عليه حرام' وكذلك محلل الظلم و البغي لغيره ومزينه لغيره' فانظر مالذي حملت عليه قلة الغيرة' وهذا يدلك على ان اصل الدين الغيرة ومن لا غيرة له فلا دين له
المعاصي تنسي الله
ان الذنوب تستدعي نسيان الله لعبده' وتركه' وتخليته بينه و بين نفسه و شيطانه ' وهنالك الهلاك الذي لا يرجى معه نجاة' قال الله تعالى "يا ايها الذين امنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد ' واتقوا الله ان الله خبير بما تعملوا ' ولا تكونوا كالذين نسوا الله فانساهم انفسهم اولئك هم الفاسقون"سورة الحشر
فاخبر الله انه عاقب من ترك التقوى بان انساه نفسه ' اي انساه مصالحها ' وما ينجيه من عذابه ' وما يوجب له الحياة الابدية
فالله سبحانه وتعالى يعوض عن كل شئ سواه ولا يعوض منه شئ' ويغني عن كل شئ ولا يغنى عنه شئ ' ويمنع كل شئ ولا يمنع منه شئ ' و يجير من كل شئ ولا يجير منه شئ ' وكيف يستغني العبد طاعة من هذا شانه طرفة عين ?وكيف ينسى ذكره ويضيع امره حتى ينسيه نفسه 'فيخسرها و يظلمها اعظم ظلم ' فما ظلم العبد ربه ولكن ظلم نفسه'وما ظلمه ربه ولكن هو الذي ظلم نفسه
المعاصي تنسي الانسان نفسه
قال تعالى''ولا تكونوا كالذين نسوا الله فانساهم انفسهم' اولئك هم الفاسقون''وقال سبحانه"نسوا الله فنسيهم"
لقد عاقب الله سبحانه من نسيه بعقوبتين" الاولى انه سبحانه نسيه' والثانية انه انساه نفسه
ونسيانه سبحانه للعبد اي اهماله و تركه و تخليه عنه و اضاعته' فالهلاك ادنى (اي اقرب)اليه من اليد الى الفم
واما انساؤه نفسه فهو انساؤه لحظوظها العالية و اسباب سعادتها و فلاحها و اصلاحها و ما يكملها 'ينسيه ذلك جميعا' فلا يخطر بباله و لا يجعله على ذكره' و لا يصرف اليه همته فيرغب فيه' فانه لا يمر بباله حتى يقصده و يؤثره' و ايضا ينسيه عيوب نفسه و نقصها و افاتها ' فلا يخطر بباله ازالتها و اصلاحها
المعصية تؤثر في العقل
المعصية تؤثر بالخاصة في نقصان العقل ' فلا تجد عاقلين احدهما مطيع لله والاخر عاص الا وعقل المطيع منهما اوفر و اكمل' وفكره اصح ' و رايه اسد' والصواب قرينه ' لهذا تجد خطاب القران انما هو مع اولي الالباب والعقول ' كقوله "و اتقون يا اولي الالباب "
المعاصي تجعل صاحبها من السفلة
ان المعاصي تجعل صاحبها من السفلة بعد ان كان مهيئا لان يكون من العلية' فان الله خلق خلقه قسمين" علية و سفلة ' وجعل عليين مستقر العلية ' و اسفل سافلين مستقر السفلة 'و جعل اهل طاعته الاعلون في الدنيا والاخرة ' واهل معصيته الاسفلين في الدنيا و الاخرة
المعاصي تعمي البصيرة
المعاصي تعمي بصر القلب و تطمس نوره وتسد طرق العلم و تحجب مواد الهداية
و من عقوباتها انها تصغر النفس و تقمعها و تدسيها و تحقرها حتى تصير اصغر من كل شئ و احقره 'كما ان الطاعة تنميها و تزكيها و تكبرها
قال تعالى "قد افلح من زكاها و قد خاب من دساها "
و المعنى قد افلح من اعلاها و كبرها بطاعة الله و اظهرها ' و قد خسر من اخفاها و حقرها و صغرها بمعصية الله
المعاصي توقع الوحشة في القلب
انها توقع الوحشة العظيمة في القلب ' فيجد المذنب نفسه مستوحشا ' و قد وقعت الوحشة بينه و بين ربه' وبينه و بين الخلق ' و بينه و بين نفسه' و كلما كثرت الذنوب اشتدت الوحشة ' و امر العيش عيش المستوحشين الخائفين' و اطيب العيش عيش المستانسين
العاصي في سجن الشيطان
ان العاصي دائما في اسر شيطانه ' و سجن شهواته ' و قيود هواه ' فهو اسير مسجون مقيد ' و لا اسير اسوا حالا من اسير اسره اعدى عدو له 'و لا سجن اضيق من سجن الهوى ' و لا قيد اصعب من قيد الشهوة 'فكيف يسير الى الله و الدار الاخرة قلب ماسور مسجون مقيد? و كيف يخطو خطوة واحدة ?و اذا تقيد القلب طرقته الافات من كل جانب بحسب قيوده ' و مثل القلب مثل الطائر ' كلما علا بعد عن الافات ' و كلما نزل استوحشته 'و في الحديث "الشيطان ذئب الانسان"
و اصل هذا كله ان الفلب كلما كان ابعد من الله كانت الافات اليه اسرع' و كلما كان اقرب الى الله كلما بعدت عنه الافات ' و البعد من الله مراتب ' بعضها اشد من بعض ' فالغفلة تبعد العبد عن الله ' و بعد المعصية اعظم من بعد الغفلة ' و بعد البدعة اعظم من بعد المعصية ' وبعد النفاق و الشرك اعظم من ذلك كله
ومن عقوباتها "سقوط المنزلة و الكرامة عتد الله وعند خلقه